ذكرنا فيما سبق أن الهدف العام للتربية في السنة هو تحقيق العبودية - بمعناها العام الشامل - لله رب العالمين، وهذه التربية التي تستهدف أن تحقق العبودية الخالصة لله في حياة الإنسان تقتضي فروعا من التربية تنبثق من هذا الهدف العام وتعود إليه وتصب في استمراريته ونمائه، وهذه الأهداف الفرعية الخاصة تتمثل إجمالا في:
أ) بناء الإنسان الصالح بناء متكاملا من جميع جوانبه ، ذلك أن التربية الإنسانية الكاملة هي التي تتناول قوي الإنسان وملكاته جميع:
1- تنمية لجسمه ، وحفظا لصحته، وهي التربية البدنية.
2- وتقويما للسانه وإصلاحا لبيانه، وهي التربية الأدبية.
3- وتثقيفا لعقله وتسديدا لتفكيره وأحكامه، وهي التربية العقلية.
4- وتزويدا له بالمعلومات الصحيحة النافعة، وهي التربية العلمية.
5- وترويضا له علي وسائل الكسب لعيشه، وهي التربية المهنية.
6- وإيقاظا لشعوره بجمال الكون، ومعاونة له علي التعبير عن هذا الشعور، وهي التربية الجمالية.
7- وتعريفا له بحقوق المجتمع الذي يعيش فيه، وبما فيه من نظم وقوانين، وهي التربية الاجتماعية.
8- وتوسيعا لأفق شعوره بالأخوة العالمية، وهي التربية الإنسانية.
9- وتوجيها مستمرا لأعماله علي سنن الاستقامة، حتي تكون منها العادات الصالحة والأخلاق الحميدة
الراسخة ، وهي التربية الخلقية.
10- ثم تساميا بروحه إلي الأفق الأعلى بإطلاق، وهي التربية الدينية. (1)
ب) بناء الأسرة المسلمة عن طريق:
1- اختيار الزوجة الصالحة التي يشكل المسلم معها أسرة صالحة، تقوم علي المودة والرحمة والتفاهم بين الزوجين وتوزيع الحقوق والواجبات ، وتساهم في إقامة المجتمع الصالح.
قال تعالي : ( وَم ِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (2) .
وروي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) (3)
2- إتاحة الفرصة الملائمة لتكميل شخصية كل من الزوجين، تكميل شخصية الرجل بتحمله مسئوليته زوجا وأبا، وتكميل شخصية المرأة بتحمل مسئوليتها زوجة وأما.
قال تعالي: ( وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (4) .
وروي البخاري من حديث عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع و مسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها و مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته.....) (5)
3- إيجاد المحضن الجيد لتربية الأبناء الصالحين، ودفعهم لممارسة حياتهم الإسلامية في المجتمع علي أحسن مستوي إسلامي ممكن.
قال الله تعالي في وصف عباد الرحمن: ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) (6)
وقد سأل كثير بن زياد عن هذه الآية، فقال: يا أبا سعيد: ما هذه القرة الأعين، أهي في الدنيا أم في الآخرة ؟
قال: لا، بل هي في الدنيا.
قال: وما هي ؟
قال: هي - والله - أن يري الله العبد من زوجته، من أخيه، من حميمه طاعة الله، لا والله ما شئ أحب إلي المرء المسلم من أن يري ولدا، أو والدا، أو حميما، أو أخا مطيعا لله عز وجل. (7)
وروي البيهقي عن أبي سعيد وابن عباس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (من ولد له ولد، فليحسن اسمه وأدبه، فإذا بلغ فليزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما، فإنما إثمه علي أبيه) (
.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية / للدكتور محمد عبد الله دراز ص 124.
(2) سورة الروم / 21.
(3) صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقم (5090)، وصحيح مسلم، كتاب النكاح، باب استحباب نكاح ذات الدين، رقم (3635)
(4) سورة الإسراء / 24.
(5) صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القري والمدن، رقم 893).
(6) سورة الفرقان / 74.
(7) أخرجه ابن جرير في تفسيره (9 / 424 رقم 26554)، والبيهقي في شعب الإيمان (6 / 402 رقم 8668).
(
شعب الإيمان (6 / 401 رقم 8666).