حرف الضّاد
يكثُر الحديث عن صعوبةِ النّطقِ بحرفِ الضّادِ الفصيح
فما حقيقةُ الأمر ؟
الحقيقةُ أنّ الضّادَ تخرجُ من إحدى حافَتَي الّلسانِ
و يُعدّ حرفُ الضّادِ أعسرَ الحروف الهجائية نُطْقاً، لذلك
يُرَاعَى في نُطقِه الحرصُ على بيانِه وعدمِ خلطه بالحروف
القريبة منه، خاصةً إذا جاء بعده، كحرف الظاء :
كما في قوله تعالى: (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَك ) (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ)
أو حرف الطاء، كما في قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَ فِي مَخْمَصَةٍ)
أو حرف التّاء: (وَخُضْتُمْ) و(عَرَّضْتُمْ) (فَقَبَضْتُ) ، وذلك لئلا يسبق اللسان
إلى إدغام الضّادِ في التّاءِ لأنه الأخف حينئذ وهو ممنوع بالاتفاق
و عَن عُسْرِ النّطقِ بالضّادِ ، قالَ المرصفي في [هدايَة القاري إلى تَجويد كَلامِ الباري]
« يختلف نطق الناس بها :
- فمنهم من يخرجها من مخرجها الحقيقي المعدِّ لها ضاداً مستطيلة وهم القلة.
- ومنهم من يخرجها من مخرج الظاء المشالة أو يخرجها طاء مهملة.
- ومنهم من يلتبس عليه الفرق بين الضاد المعجمة والظاء المشالة
فيضع إحداهما مكان الأخرى
وهذا كله لحن لا تصح القراءة به لأن فيه تغييراً للَّفظ وإخراجاً للكلمة
عن المعنى المقصود.
و ممّا ذكَرَه العُلماءُ في في الفرقِ بينَ الضّادِ وبين بعض
حروف الإطْباق، قولُ السيوطيّ في "الإتْقان" [النوع الرابع والثلاثون] :
« الضاد والظاء اشتركا صفة وجهراً ورخاوة واستعلاء وإطباقاً،
وافترقا مخرجاً، وانفردت الضاد بالاستطالة »
و قد شرح ابنُ الجزريّ صفةَ الاستطالَةِ في الضّادِ
[النّشر في القراءاتِ العَشر، صفات الحُروف]:
« المستطيل- هو الضاد لأنه استطال عن الفهم عند النطق به
حتى اتصل بمخرج اللام، وذلك لما فيه من القوة بالجهر والإطباق والاستعلاء »
وقالَ المرصفي في [هدايَة القاري إلى تَجويد كَلامِ الباري]
حرف الضاد جهريّ رخويّ مُستعْلٍ مُطبَق مُصمَتٌ مُستطيلٌ .
ومما قال ابن الجزري في بيان مواضع الظاء في القرآن حتى لا تختلط بالضاد:
والضاد باستطالة ومخرج ميز من الضاء وكلها تجي
في الظعن ظل الظهر عظم الحفظ أيثظ وانظر عظم ظهر اللفظ
ظاهر لظى شواظ كظم ظلما اغلظ ظلام ظفر انتظر ظما
اظفر ظنا وكيف جا وعظ سوى عظين ظل النحل زخرف سوا
وظلت ظلتم وبروم ظلوا كالحجر ظلت شعرا تظل
يظللن محظورا مع المحتظر وكنت فظ وجميع النظر
*** يحصل لي إشكالٌ أو شبْهَةٌ في بعض الأحيانِ حينَ أسمَعُ
مَن يقول : ينبغي التّفريقُ بين الضّادِ العربيّة
الفَصيحَةِ العَسِرَة ، وبين الحقيقة العلميّة المجرّدة
لصوتِ الضّاد ، فأتساءَلُ : هل أخطأ العربُ الفُصحاءُ
عندما نطقوا بضادهِم المتميّزَة العسِرَة و لم يلتزموا
الصّفاتِ العلميّة المجرّدة للضّاد ؟
إنّ التّصوّر الصّحيح لشكلِ الصّوت إنّما يحصل عن طريقِ
فهمِ الصّفاتِ التي وصفَه بِها الصّوتيّونَ المتأمّلون،
وبناءً عليه : فإنّ التّصوّر الصّحيحَ الموضوعيَّ لصوتِ الضّاد
إنّما يحصل بالفهمِ الصّحيح للصّفاتِ التي وصفه بِها
علماءُ الصّرفِ والأصواتِ ، وعُلَماءُ التّجويد، أمّا الآلات
فهي أدواتٌ خاضعةٌ للطّريقَة الفيزيائيّة التي يُنطَقُ بِها الصّوت