هل أن الوطنية احساس أم انتماء؟ أم هي احساس وانتماء في ان واحد؟ وهل استطاعت دروس مادة الوطنية ان تنمي هذا الاحساس وتفعل ولاء الطالب الى الوطن الذي يعتبر الحاضنة الحقيقية له ولعائلته الكبيرة ولأسرته الصغيرة
--
وهل استطاع الطالب أن يشعر بهذا الاحساس وهو لا يملك شبراً واحداً في هذا الوطن له ولأسرته، وهو الذي يقرأ في مادة الوطنية عن تاريخ واثار وجغرافية واقتصاد الوطن وأهم مشاريعه التنموية. وكيف ينمى الاحساس بالوطن لدى شرائح المجتمع المتنوعة كالجندي الذي يدافع عن الوطن وهو لا يملك فيه شبرا واحدا سوى الاحساس بالانتماء فقط، وهل يتمكن الفرد من التغلب على مبدأ الانتماء لقطعة ارض في الوطن مقابل الاحساس بالانتماء الروحي له فقط؟ وفي ظل الظروف القاهرة التي يعيشها المواطن واستحواذ السلطة على مقدراته الوطنية والتفاوت الطبقي الهائل ونمو طبقة اجتماعية على حساب اخرى، نرى ان الحس الوطني ينمو لدى الطبقة المحرومة (الفقراء) دون الطبقة الاخرى التي تنمي احساسها للوطن عبر المكاسب.
ونحن نعيش في ظل الثورة المعلوماتية الكبيرة وما انتجته هذه الثورة من قنوات اتصال سريعة وكبيرة لوسائل الاعلام والاتصال الجماهيري المرئية والمسموعة والمقروءة وانتشارها بشكل واسع وتوفرها في اروقة البيوت والاماكن العامة واستقطابها لملايين الناس بكل فئاتهم العمرية يعتبر عاملا مهما في تزايد تأثير هذه الوسائل على الجمهور بشكل عام، ويكون تأثيرها اكبر على فئة الشباب بشكل خاص، وان تأثير وسيلة التلفزيون بشكل مباشر على الشباب يفوق تأثير الوالدين والمعلم، لأنه وسيلة سهلة وسريعة قابلة للهضم الذهني، وقد استطاعت الكثير من وسائل الاعلام طرح رؤاها وافكارها الاحادية ضمن برامج مفتوحة على الهواء او مسجلة تشرك بها المشاهد وتحشده وتجعله اكثر تفاعلا مع الافكار التي تطرح من خلال برامجها السياسية والاجتماعية والترفيهية، وان الساعات التي يقضيها البعض امام التلفزيون تفوق الساعات في اي عمل اخر. وبهذا يصبح التلفزيون احد اهم مكونات التفكير لدى الجماهير وبالذات الشباب، وهذا ينعكس سلباً او ايجاباً على سلوكهم الشخصي الذي يواجه به المجتمع، وهناك وسيلة اخرى وربما اخطر من التلفزيون وهو الانترنت وهذه الاداة غير خاضعة للرقابة بكل مقاييس الرقابة فهي مباحة للغاية وهي كوسيلة اخرى لاستقطاب الفئات الشبابية. وقبل الحديث عن دور الاعلام في تنمية الحس الوطني لدى الافراد في المجتمع لابد لنا ان نتعرف على ماهية الاعلام والايديولوجية التي يحملها الاعلام. وهل يملك حيادية في التعامل ويحافظ على مهنيته؟ والحديث هنا ليس على الاعلام الغربي، وانما نتحدث عن الاعلام العربي، والحديث عن الاعلام العربي هو الحديث عن دكتاتوريات وامبراطوريات اعلامية لها اجندتها الخاصة وقد تأسست اغلب وسائل الاعلام على اساس التناحر والتنافر وهي تعيش حالة التحشيد والتهريج والتجريح، والاعلام العربي بعيدة كل البعد عن واقع الحياة ومعالجة قضايا المجتمع فهو اعلام احادي الاتجاه ولا يعتمد الوسطية في التعبير والطرح، وغير متطلع الى مشاعر الجماهير وطموحاتهم الوطنية والقومية، اعلام يعتمد على تضخيم الحدث وطمس الحقيقة، وان القائمين على تلك القنوات الاعلامية يفتقرون الى ابسط قواعد العمل المهني والطرق التنموية الناجعة لتفعيل دور الفرد في المجتمع بالاتجاه الصحيح. فان البرامج التي يتم اختيارها تقوم على اسس طائفية وعنصرية شوفونية، تسهم في هدم الحس الوطني لدى الفرد اتجاه بلده وتخلق منه اداة هدامة ناقمة على كل ما يمثله الوطن من مكونات بشرية ومؤسسات حكومية واثار وبنى تحتية، فنجد الاختراقات الدولية والاقليمية لعدد كبير من الشباب في مجتمعاتنا العربية من قبل دوائر استخباراتية وجماعات تكفيرية توظف هذا النموذج من البشر بالاتجاه المعاكس للنيل من الوطن والاستئثار بوحدته الوطنية وسيادته الامنية. ويفترض بالاعلام الحقيقي-هو الاعلام الذي يسهم في تنمية الحس الوطني والديمقراطي لدى عامة افراد المجتمع من خلال تمثيله للمجتمع تمثيلا حقيقيا دون تزييف فيكون مرأة تعكس صورة المجتمع وقيمه وافكاره ويعبر عن هموم المواطن ليكون لسان حال المجتمع، وان يرتقي الى مكانته الحقيقية كسلطة رابعة، وعلى الاعلام الجاد والرصين ان يعزز دوره في بناء ارادة المجتمع وتنمية حسه الوطني من خلال خلق برامج تنموية فاعلة تأثر ايجابا على تفكير الناس وتعاملهم مع بعضهم البعض. والمواطن العربي يحتاج الى برامج توعية عن انماط السلوك الديمقراطي والاحساس الوطني في المجتمع، وهذا يعتمد على تغيير التصورات الخاطئة التي يعيشها الفرد في عقله نتيجة لتراكمات مفاهيم المجتمع المغلوطة، وهذه المسألة في غاية الصعوبة، لأن تغيير السلوك لا يمكن ان يتم الا من خلال تغيير القناعات وتعديل المفاهيم من خلال اشاعة التوعية الفكرية ورفع الحس الوطني اتجاه الوطن، وتوجيه سلوك الافراد في المجتمع تجاه الوطن ومكوناته بالاتجاه الديمقراطي السليم. وان اي مجتمع يعتمد التحول نحو الديمقراطي لابد ان تحدث لديه نقلة نوعية في المستوى الاجتماعي والثقافي وهذا يأتي من خلال طرح الافكار المتحضرة والجديدة التي تؤهل المجتمع الى تلك النقلة عن طريق وسائل الاعلام المتعددة والمتوفرة، وضمن آليات وبرامج اعلامية تعتمد انماطاً سليمة تسهم في تهذيب النفس والارتقاء بالمشاعر والاحساس والمسؤولية، ولا شك ان الاعلام اداة تعليمية وتثقيفية متقدمة تسهم وتساعد في التغيير نحو المستقبل لما لها من تأثير فعال على الفرد، فهو يمارس دور المرشد للممارسات الديمقراطية من خلال تكريس الفكر الديمقراطي وادانة الفكر المناهض للعمل الديمقراطي من خلال نبذ ظاهرة الارهاب والتطرف وحجر الفكر المشوه في خانة المتهم. ومقت الانظمة الدكتاتورية الشمولية التي تعادي الطابع الديمقراطي وتطمس الحس الوطني لدى المواطن من خلال احتكار السلطة والاستحواذ على مقدراته الوطنية وحقوقه الانسانية. وان ممارسة دور الاعلام الحقيقي بمهنية عالية وحيادية مع قضايا الشعوب وتعزيز هذا الدور والارتقاء به من خلال تسليط الضوء على قضايا حقوق الانسان في المجتمع؟ كالحرية والمساواة واشاعة لغة التسامح وعدم التمييز وقبول الاخر وتعميق الحوار بين اطراف المجتمع الواحد رغم اختلاف اطيافهم، وان نجاح الاعلام العربي يتوقف على خلق آلية عمل تساعد المواطن العربي على تنمية حسه الوطني لكي يساعد ذلك على تطوير وتحديث ملحمة التآخي والترابط الاجتماعي الذي يترجم الوحدة الوطنية عند الجميع. وعلى الهيئات الثقافية في البلدان العربية ان تعمل على تأهيل وتأطير وتنفيذ الرقابة على الجهات الاعلامية التي تسهم في هدم الحس الوطني لدى المواطن وبالذات شريحة الشباب. والغاء ولائه وانتمائه لوطنه من خلال البرامج المشوهة التي تذهب بالأمة الى الهاوية وتعصف بوحدة المجتمع وتمزق نسيجه الاجتماعي والثقافي والديني